- 56 زيارات
إني ( معاق ) فهل يزعجك ؟
مقال كتبته بعام ٢٠١٥ م
أذكر عندما صحوت من غيبوبة الألم بعد سبعة عشر يوما من حادثٍ فارقت فيه ثلاثة من أصدقائي وأنا أفتح عيناي يقتلني الألم وتسبقني الدمعات .. كان أبي يفترش أرض غرفتي بالمستشفى . وكنت أعتقد أنه فقط الإهمال الوحيد . حاولت أن أنطق لكن لم أستطع فكانت مجموعة من الأسلاك تربط أسناني وكأنما هي سلاسل تقبض الفكين حتى تسجن ما بداخلي من صرخات . وقبل كل النظرات سبقتني دمعات أبي فرحا بأنني استيقظت يا لروعة روحك أبي كم تحملت ألم افتراش الأرض طيلة أيام غيبوبتي .
وبدأت الأنباء تسرد علي صاعقة تلو الأخرى . سألت عن رفاقي وعلمت أن منهم من مات ومنهم من ينام على الفراش الأبيض إلا واحدٌ كل ما سألته عنه تمنّع الجميع عن الكلام حتى علمت موته كان ذاك خالي وصديق طفولتي رحمه الله .
وقبل أن أتنفس أي نفس لكي أحظى ببعض الراحة علمت أن قدمي بترت وأن فكّي كسرت لكن كنت أهمس في أذن أبي لم كل هذا الألم ؟
فأجابني أن هذه رابع عملية في "فكي" قام بها المستشفى وكلها فشلت . وأن قدمي ضاعت بطوارئ المستشفى ولم يجدوها الا بعد العملية.
فعلا شر البلية ما يضحك كيف تضيع قدمي بالمستشفى؟
وقتها لم يخبرني أبي التفاصيل .
لكن قال لي أبشر هناك خبر غدا إن شاء الله أخبرك به .
وباليوم التالي وصل خبر الإخلاء الطبي من مستشفى القنفذة أو كما يسميه أبي المجزرة إلى جدة ليصلحوا بعضا مما أفسده .
وصلت لجدة وفور وصولي لغرفة التنويم وإذا بلجنة من الأطباء تشاركني كرسي المرض تحادثني وتسألني عن ألمي, فعلا اختلفت صور التعامل بين هنا وهناك حتى الرائحة حتى نظافة الأزقة حتى ابتسامة الممرض والممرضة كل شيء تغير بالنسبة لي .
سألني أحد المتخصصين من أي مجزرة خرجت ؟
وسبقني والدي بالحديث ليسرد قصة بتر قدمي . يقول أبي : أنه وبعد أن طال بنا الألم مرميين على زوايا الإسفلت التي تلتهب من حر الظهيرة أكثر من ثلاث ساعات في ظل منع نقل المصابين بالحوادث وقتها قطع سبعين كيلو مترا من قريتنا لموقع الحادث ولا زلنا ممددين على الأرض دمائنا قد كسته وأصوات أناتنا تسبق همسات الصدى .
يقول أخذت طارق للرعاية الأولية بمركز مجاور فقاموا بما كان عليهم من واجب بكل احترافية و كانت قدمه قد بترت فوضعوها في حافظة ثم نقل للمستشفى العام بالقنفذة . وهناك استقبل بالطوارئ ونقل مباشرة لقسم الطوارئ .
وبعد فترة خرج الطبيب يسأل عن القدم المبتورة وجلسنا نبحث عنها برفقتنا رجال الأمن وكل من حضر, ست ساعات مرت وطارق في العناية لا يعلم حاله إلا الله وجدناها وقد ذبلت خلف أحد جدران الطوارئ وقد قام الدكتور بكامل المهام (و قطع فوق مكان البتر أكثر من - 10سم ) ولفها جيدا.
فنظر الدكتور لي نظرة وقال أعانك الله والحمد لله أن أخرجك من هناك .
ولم تطل فترة بقائي بالمستشفى وتكللت كل عمليات الترميم نجاحا بحمد الله لإصلاح بعض مما أفسده مستشفى القنفذة.
وبعد مضي الفترة عدت أحمل هما كبيرا مسجدي وشوقي لأن أعود لمقاعد الدراسة . وصليت به فجر أول يوم وصلت به واقفا على قدم واحدة.
ولم يطل بقائي بالمنزل أسبوعا واحدا حتى عدت لمقاعد الدراسة .
لتبدأ قصتي مع الأمل حتى أصبحت اليوم أسير بين الناس وقليلٌ منهم من يعرف بأنني معاق.
وبكل أمانة أكبر ما كنت اعاني منهم التعاطف السلبي.
فهل أزعجتك ( إعاقتي ) ؟
وهو ذلك السؤال الذي قلته لكل من حاول السخرية دائما.
اليوم وبعد سنين من السعي بكل جد حققت حلمي و عملت في بيئة عمل فنية صناعية انافس فيها بكل قوة و عزيمة نظرة التعاطف و اطلق علي فيها لقب قدم من فولاذ منتصرا على كل من كان يعتقد انني لن أستطيع ولا زلت اطمح ان تكون قصتي قصة إلهام لكل من يعرفني .
كتبها : طارق الحميدي