- 110 زيارات
ميثم العيسى .. همة تعانق السماء
كادت لحظة حضوره لموعد روتيني في المستشفى لمتابعة حالة النظر لديه أن تكون بمثابة المحطة الأخيرة في حياته، بعد أن سمع حديث الطبيب مع أخيه الذي كان يرافقه وهو يقول: هل أخوك على علم بمستوى النظر لديه؟ دعوه ينتبه لما تبقى من ضياء عينيه فقد يزول ذلك الشعاع، وينطلق مسافرًا في رحلة الظلام الأبدي..
فبدأ الشاب "ميثم" الذي راح يبحث وراء علته، وما سيحدث له ولأحلام صباه بعد فقده لحاسة البصر تمامًا -لا قدر الله-، أخذ يصول ويجول في مواقع الإنترنت مطلعًا ومُتعرّفًا على مرض التهاب الشبكية الصباغي، ومستعينًا بإخوته الأربعة الذين قد سبقوه بالإعاقة البصرية ليسترشدهم في محنته، فمن هنا كانت بداية الحكاية..
فبعد عودة والده من سفره طلب منه تحويله لبرنامج دمج المكفوفين ليكمل دراسته في المرحلة الثانوية، ويبصر الأشياء بيديه استعدادًا لمواجهة مصيره المجهول؛ إلا أنه تجرّع أُولى غصات المعاناة باتهامه بتزوير التقرير الطبي الذي يثبت إعاقته، وبالرغم من ذلك واصل خطاه بثبات وشكيمة حتى أنهى المرحلة الثانوية محققًا المركز الأول على مستوى محافظة الأحساء، ومستكملاً دراسته الجامعية بين أحضان كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود..
حيث شكلّت هذه الحقبة الزمنية منعطفًا جديدًا في حياة "ميثم"، إذ كان سفيرًا لإعاقته، مستعينًا ببقايا إبصاره ليُوثّق اللحظات ويجعلها أجمل الذكريات بالنسبة للآخرين بواسطة كاميرته الشخصية، كان عضوًا نشطًا ومشاركًا فاعلاً حاضرًا في البرامج الطلابية المعنية بتمكين ذوي الإعاقة في الجامعة، ولم يقف عند هذا الحد بل استثمر وقته بتطوير مهاراته وبناء قدراته بحضور العديد من الدورات التدريبية التي دأبت الجامعة على تنفيذها سنويًا، حتى انتهى به المطاف بحصوله على درجة البكالوريوس في الترجمة، ليعود إلى أحسائه المبدعة مفعمًا بالحماس والحيوية للولوج لسوق العمل.
ولم يستطع الشاب "ميثم" التّرجل من صهوة الجد والاجتهاد التي كان يسير بها طوال سنيّ إعاقته حتى استنهض همم أقرانه المكفوفين ليكونوا إلى جانبه لتأسيس فريق "ضياء" التطوعي الذي يُعنى بقضاياهم في محافظة الأحساء، وبعد انطلاقة الفريق تحت مظلة جمعية الأشخاص ذوي الإعاقة بالأحساء وعمله الدؤوب منسقًا له على مدى عام من العطاء "تطوعًا"، كان نصيبه أن يكون أحد أفراد أسرة الجمعية الذين تدرجوا في عدة وظائف ابتداءً بقيادة وتنسيق شؤون فريق ضياء، مرورًا بصناعة المحتوى الإعلامي، وانتهاءً بالتخطيط والحوكمة والتطوير والجودة وغيرها الكثير..
وما انفك المدرب "ميثم" ذي الإعاقة البصرية محلقًا في عالم الإعاقة هنا وهناك ليساهم في تعزيز الوعي بالطرق المثلى في التفاعل مع الأشخاص ذوي الإعاقة على اختلاف فئاتهم، ولم تنتهي الحكاية هنا بل لا زال مهرولاً على شاطئ المعرفة يأخذ من بحورها قطرات تروي شغفه..
وختامًا همس "ميثم" بكلمات قائلاً: إن الأمل يولد من رحم المعاناة فالإعاقة جزء مني، وبفضل الله ثم بفضلها انتقلت إلى التنموية وإلى الإنتاج بدلاً من مد أكف الطلب والاحتياج، فعليك عزيزي القارئ .. عزيزتي القارئة أن تمتطي صهوة الجد وتنطلق في ميادين الحياة متوكلاً على الله، ومتحليًا بالصبر ومتسلحًا بالعلم واضعًا نصب عينيك أسمى معاني الإنسانية التي خُلقت من أجلها، ساعيًا وراء تحقيقها مهما كلّفك الأمر، ولنتذكر جميعًا بأن طريق النجاح محفوف بالأشواك.