الصورة
الملهم حسين البقشي

بقلم/ الاستاذ علي عيسى الوباري

ما زالت قصة هيلين كيلر (١٨٨٠-١٩٦٨) راسخة في أذهان من قرأها في المرحلة الابتدائية، ونذكرها في أحاديثنا كمثال على إثبات الإرادة والعزيمة ورغبة في النجاح، حتى عام ١٩٨٠ أصدر الرئيس جيمي كارتر مرسوما للاحتفال بميلادها.

هل الإرادة تبرز من خلال القدرات وسلامة الجسم، أم الإرادة نابعة من العقل وتحتضنها بيئة أسرية واعية وتوجه فائض العواطف الوجدانية إلى اكتشاف الذات وإقناع الشخص أن لديه مهارات يستطيع من خلالها تحقيق ما يصبو إليه.

نجد صعوبة في معرفة معنى الإرادة لأننا لم نسمعها من أفواه من جربها ومارسها، اكتفينا بقراءة معناها من القواميس أو سمعنا قصصًا عن قوة العزيمة والنجاح من خارج واقعنا الاجتماعي حتى ظننا أن تحدي الذات وتحقيق الإنجازات يأتي من خارج المجتمعات العربية والإسلامية. لا نهتم بنشر قصص النجاح ولا حكايات الإرادة والعزيمة لأبنائنا وبناتنا حتى أصبح مجتمعنا يستورد قصص الآخرين، وظن الكثير أن مجتمعنا لا ينجب من يرسم خريطة النجاح ويوثق اسمه من الناجحين المتميزين الذين يفوقوا من قرأ عنهم، يعيش بيننا الملهمون، نماذج النجاح والتميز موجودون بين ظهرانينا.

هذه قصة حسين محمد البقشي نموذج جميل والأجمل اعتزازه بذاته وتوثيق تجربته الملهمة، المهندس حسين في تأليف كتابه (همة تخترق الجبال) أراد نشر مثال النجاح والإلهام وأثبت بتوثيق محطات حياته العلمية ليقول لمجتمعه: إنك أيها الشاب لديك ما تقدمه لنفسك، وفي داخلك ثورة النجاح وإمكانيات التفوق، لكن ابحث عنها فيما وهبه الله لك من مهارات ومواهب.

في قصة نجاح المهندس حسين البقشي، هل الأمر متعلق بالإرادة والرغبة أم هناك عوامل ساعدت في النجاح؟.

كتب المهندس حسين في كتابه "كلنا نعلم أن الإعاقة كلمة معنوية وليست حسية أو مرئية".

أول خطوات النجاح الإيمان بما منحه الله للإنسان وحسن الظن به جل جلاله، والإيمان والتوكل عليه، وعلى ما لديه من طاقة كامنة يكتشفها هو بنفسه أو يظهرها من حوله وأهم من يقف مع الشخص الناجح هما الوالدان خصوصًا الأم هذا ما سمعناه من الشاب حسين البقشي الحاصل على الماجستير، المبرمج في علوم الحاسب الآلي ومبرمج كيفية التغلب على (الإعاقة) بالرغم لم يسمعها من أسرته ولم يتعامل معها أنها مثبط العزيمة أو شكلت حاجزا اجتماعيا، مارس حياته بشكل طبيعي على أنه صاحب إرادة وبها يمكنه تحقيق الإنجازات.

إذا كانت الأم وهي الأقرب إلى الأبن آمنت بقدرات ابنها واكتشفت ما يحمله من طاقة وعزيمة، يصبح سهلا زرع القيادة الذاتية فيه وهذا ما حدث في حالة المبدع حسين محمد البقشي كان وعي الوالدين وأسرته حاضرة وكان التشجيع مثمرا. هنا يأتي التحدي للأسرة كاملة في كيفية التعامل تربويا ونفسيا مع الابن، وكيفية تجاوز معضلة الإعاقة وهي أول درجات سلم الثقة بالنفس وبداية النجاح. ابتسمت له الأسرة من طفولته واتبعت منهجا في تربيته ليس فيه شفقة ولا تميز بالتعامل حتى لا يشعره أنه أقل من إخوانه، كما قال حسين هذا ما شجعني على أن أكون كما أريد وكما يتمنى والدي وأسرتي، المبالغة في التعاطف محبط للنفس ومؤكد للنقص في الذات. حسين بوعي الوالدين لم يعش نظرات الشفقة، بعزيمته عاش حياته متفوقا بالدراسة حتى وثق المعلمون بقدراته وشجعوه على التفوق لينافس أفضل زملائه بالدراسة ومتفوقا على أقرانه.

الشاب حسين البقشي في سرد قصة نجاحه ذكر كيف تعامل بحيرته بالاختيار بين جامعة الملك فهد للبترول والمعادن التي هي رغبته الأولى وجامعة الملك فيصل بالأحساء ختمها بالخيرة، ذكر إخفاقه في مقرر الأحياء الذي حوله فرصة للتحدي بمقرر آخر حتى دخل مسابقة وتميز بها، أجاد سرد المحطات الحياتية وكيف عاش كل مراحل عمره التعليمية في تحدي مع ذاته، مؤمن بتجاوزها بدون إحباطات دائمة، البعض يعتقد بأن العقبات والفشل محبطة للنفس لكن الناجح من يراها تجارب يمر بها الفرد ليعرف كيف يعالجها وأخذها دروسا.

التحدث مع النفس والأحلام يترك أثرا إيجابيا, يقول حسين في كتابه "تلك القصص وغيرها من القصص الخيالية جعلت مستواي لم يتحسن وحسب بل قمت أحصل على درجات أفضل من معظم الطلاب". المهندس حسين واثق من نفسه ,حين مر على طالبين كل واحد منهما يقول أنا سأحصل على درجات أعلى في الاختبارات القادمة وقال حسين سأحصل أعلى منكما، هذه ترجمة الثقة بالنفس التي عاشت مع حسين في سنيين عمره بل في كل يوم يعيشه. عاش الأمل في أعماق قلبه ولبس رداء التفاؤل في حياته الخاصة والعامة، يجلس مع نفسه ويتحدث مع ذاته بما يمتلكه من طاقة وقدرات يؤكد لنفسه أنه قادر على الفعل والإنجاز.المهندس حسين مبدع بعلم الرياضيات الذي يعتبر عند الكثير من الطلاب عقبة وهو أكثر المقررات الدراسية صعوبة، يقول المهندس حسين أنا أحب الرياضيات ومبدع فيه وأحصل على أعلى الدرجات فيه.

حسين البقشي سار في درب الإرادة وحمل في عقله جناحي الرغبة والاجتهاد، ولم ينظر إلى إعاقته بنظرة المتشائم، بل بدأ بالعلاج الطبيعي حتى يزداد استقلالا في التفكير والحركة، نسي نقص الأكسجين المسبب لحالته وتنفس أكسجين التوكل على الله (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) نتأمل هذا المعنى حين يحب الله للمتوكلين ماذا ينتج؟.

حسين البقشي لم ير إعاقته مشكلة في الحركة بل رأى طريقا معبدا بإدارة ذاته وحسن تدبيره من خلال امتلاكه مهارات عديدة وعزيمة آمن بالإنجاز، ويكون ملهمًا لغيره بتجارب النجاح والتفوق مثل المسابقات، كمسابقة البرمجة وحصوله على المركز الثاني عام ٢٠١٤ على مستوى الكلية، ومسابقة تصميم صفحات الإنترنت عام ٢٠١٥ على مستوى المملكة.

أحيانا كثيرة زيادة العاطفة تغرق والمبالغة في الرعاية تغمر، التربية المثمرة زرع الثقة وتعزيز الذات بالقدرات وتبيان الاتجاهات.ما أحوجنا إلى والدين مثل والديّ حسين البقشي ربيا ابنهما على الثقة والتشجيع والرقابة البعيدة، نحن بحاجة لمجتمع محتضن بالتشجيع ومحفز بالدفع نحو الإنجاز وليس بذكر كلمات المسكنة والشفقة.