الصورة
شاب من أصحاب متلازمة داون يقف مبتسمًا بثقة، يرتدي ثوبًا وأذرعه متشابكة

 

ولدت مشعل بن سعد  من 27 سنة، ما تفاجأت ولا انصدمت ولا يأست ولا زعلت، حسّيت أنه نعمة من نعم ربي علي، أنه رزقني بطفل متلازمة داون، واللي الحين نسميهم أصحاب الهمم. فعلًا هم أصحاب همم. 

 

أثبتت لي الحياة وعلاقتي مع مشعل أنه من أصحاب الهمم وأصحاب القلوب الجميلة والنوايا الحسنة. قد ما تعطين طفلك، قد ما يرد لك أضعاف مضاعفة. 

 

الحمد لله دخلت مشعل مدارس من عمر سنة ونص، وكانوا يهتمون فيه كثير. دخل مدارس “صوت”، وكانت المدرسة الوحيدة تقريبًا في المملكة أو في الشرق الأوسط اللي تهتم بمتلازمة داون فقط، ما عندهم إعاقات ثانية. وكانوا مهتمين فيهم كثير، الله يجزاهم خير. 

 

دوّمت معه خمس سنوات. أنا إنسانة ما عندي عاملة ولا مربية ولا ممرضة، فكنت أروح معه كل يوم كأني موظفة، من الصباح إلى بعد الظهر. كنت أشوف المدرسات والمستشارات والأخصائيات وأتعلم منهم وأفهم منهم، ومع ذلك داخلي كان عندي معرفة بأشياء كثيرة الحمد لله. 

 

ما يأست من رحمة الله. واصلت التعليم وكل سنة كانت أفضل من اللي قبلها. كثير قالوا لي: “هذا معاق”، لكني أثبت لنفسي أنه قابل للتعليم. أي إنسان إذا لقي تدخل مبكر يكون قابل للتعليم. وتعلم مشعل كثير في مدارس صوت، واستفدنا منهم أشياء كثيرة، وأخذت دورات. 

 

بعد 15 سنة صار له حادث وأصيب في رجله اليمنى، انفصلت عن الورك واضطر يسوي عمليات كثيرة، لحد ما صار عنده فرق في رجله حوالي 7 سنتيمتر. لكن هذه الإعاقة ما وقفتني عن التعليم والاهتمام فيه. 

 

كنت أوديه مراكز ثانية يشارك فيها بدورات، اجتماعات، واحتفالات. مشعل إنسان اجتماعي جدًا وله هوايات. كل ما يكبر يصير أفضل. رغم إعاقة رجله، ما توقفنا. دخل المركز السعودي بعد “صوت”، وبعدها مركز الأوائل. هناك بدأ في دورات خاصة. 

 

أكاديميًا اكتفى، لأنه ما دخل دمج ولا درس ثانوي، ومعه شهادات عادية مثل الابتدائي والمتوسط. لكن كان ينجز أهداف، ويعطونه شهادات عليها. بسم الله عليه، ذكي وعنده إحساس قوي بالمسؤولية. 

 

دخل دورات الباريستا وتعلم أشياء كثيرة. بعدها توظف في ماكدونالدز موظف رسمي، والحمد لله يروح ويجي، يحضر احتفالات ودورات ومناسبات. ما عنده أي مشكلة، الحمد لله. 

 

أنا أقول لكل أم: لازم تراهنين على ولدك مهما كانت إعاقته. لا تفكرين في الإعاقة، فكرّي أنه إنسان طبيعي رح يؤدي، ينجز، وينجح. أنا عاملت مشعل على أنه إنسان عادي مثل إخوانه. 

 

واجهت صعوبات كثيرة: من الأهل، من أبوه، من إخوانه. كانوا يقولون لي: “لا يتوظف، لا يدرس، مشعل تعبان، مشعل ما يقدر”. لكني تحديتهم كلهم، وراهنت على مشعل. وفعلاً صار إنسان ناجح، يعطي، ويقدر يهتم بنفسه. 

 

مشعل عنده إحساس كبير بالمسؤولية. أي عمل يسويه يؤديه على أكمل وجه. زيادة على كذا يحب الشعر ويحب السباحة. دخلت فيه مراكز سباحة، وشارك في مسابقات، وطلع المركز الثالث. 

 

في كل الاجتماعات اللي تخص جمعية أصحاب الإعاقة يشارك بقصيدة أو كلمة. الحمد لله عايش حياة طبيعية. 

 

رسالتي لكل أم: لا تخجلين من ولدك، بالعكس افتخري فيه. هو سبب في دخولك الجنة. أنا طول عمري أقدمه في أي مكان: المناسبات العائلية، الاحتفالات، البازارات، المعارض. 

 

الحمد لله الناس فخورين فيه كثير، لأنه إنسان عنده إحساس بالمسؤولية، ويفهم ويستوعب الكلام. عمري ما حسسته أنه معاق أو أقل من غيره. بالعكس، حتى وهو صغير كنت أخليه يطلع يلعب مع أصحابه، لكن بمتابعة مني. 

 

الآن له أصحاب واهتمامات، ويعيش طبيعي، الحمد لله. 

ـ