
تظهر هذه المشكلات نتيجة للتغير الذي يطرأ على الفرد حيث تعد التغيرات الجسمية الفجائية مصدر قلق بالنسبة له، فهو يرى نفسه محط أنظار أقرانه، مما يجعل الانفعالات والاضطرابات والعقد النفسية تسيطر على شخصيته.
وتعد المشكلات النفسية أمرًا راجعًا إلى سوء توافق المعوق مع نفسه ومع بيئته بسبب فشله في تحقيق أهدافه وإرضاء حاجاته النفسية والاجتماعية.
والإعاقة بصورة عامة تؤدي إلى تذبذب الثبات الانفعالي، ويصعب على المعوق إعادة توافقه النفسي والاجتماعي بمفرده، لأن الإعاقة تعتبر بمثابة حاجز نفسي بين المعوق وبيئته الاجتماعية، وينكمش على نفسه نتيجة شعوره بالاختلاف عن الآخرين.
وتزداد حدة المشكلات النفسية عند زيادة حدة الإعاقة الظاهرة، والإعاقة الشديدة تفرض على صاحبها نمطًا معينًا في الحياة، خاصة لمن يتطلب عمله استغلال أطرافه، فيصبح في هذه الحالة غير راضٍ عن نفسه و تنتابه الهواجس و يساوره القلق المستمر عن حاضره ومستقبله، مما يجعله يعاني آلامًا نفسية شديدة تؤدي إلى ظهور عدد من الخصائص الانفعالية السلبية، مثل: الغضب وسرعة الاستثارة، وتقلب المزاج.
وقد أشارت البحوث والدراسات الاجتماعية في هذا المجال إلى أن أكثر ما ينجم عن الإعاقة من مشكلات نفسية يمكن أن نوجزها في الآتي:
١. الشعور الزائد بالنقص:
إن الظروف المحيطة بالمعوقين تجعلهم عادة يشعرون بالنقص، فالمعوق نظرًا لإعاقته وضعفه، واعتماده على الآخرين، ولحساسيته الزائدة في تعامله مع من حوله، تجعله يشعر بعجزه، وقلة تقديره لذاته، والمعوق الذي يعاني من الشعور الزائد بالنقص تجده ضعيف الثقة في النفس وفي الآخرين، نتيجة لمواقف الآخرين نحوه، ونتيجة لفشله في مواقف متكررة تزيد من شعوره بالنقص، مما يجعله مبتعدًا عن الناس، خجولًا شديد الحساسية إلى غير ذلك من مظاهر الشعور بالنقص.
فالمعاق الذي تسبب له الإعاقة الكثير من المشكلات المختلفة، تجعله عاجزًا عن الاستقلال، والاعتماد على النفس، وأصبح عالة على غيره، حتى فقد الأمن المادي والنفسي والاجتماعي، وأصبح خائفًا من المجهول وضعيف الثقة بالنفس، سريع الانفعال وشديد الحساسية.
وكثيرًا ما يلجأ إلى التعويض الزائد عن طريق التفوق على الآخرين بصورة فائقة، حتى يعوض تفوقهم عليه في الجوانب التي تنقصه وهذا التعويض الزائد، والتفوق المبهر، يساعد المعوق ويمكنه من الظهور والسيطرة على الآخرين، ليغطي مشاعر الألم والحسرة، والضيق والقلق، التي تسببها له مشاعر النقص.
٢. عدم الاتزان الانفعالي:
يظهر على المعوق عدم الاتزان الانفعالي، وعدم الثبات الوجداني، وعدم نضج انفعالاته، وعدم الثبات الانفعالي، ويشير مصطلح عدم الاتزان الانفعالي بالتغير المفاجئ في الحالة المزاجية والسلوك وهو من الأمور التي يلاحظها الآخرون قبل أن يلاحظها الشخص نفسه، مثل:
- إظهار الحزن مكان السرور والابتهاج
- النفور مكان التقبل والرضا
- التحول إلى الإسراف فجأة مكان الحرص والتعقل
- إبداء التجاهل وعدم الاكتراث في المواقف التي تتطلب الحزم والاهتمام
- عدم القدرة على التفاعل مع المواقف المختلفة
- عدم القدرة على الاستفادة من الخبرات المتاحة له
- عدم قدرته على تنمية مهاراته وقدراته
والكثير من التأثيرات السلبية التي تعيق تكيفه مع مجتمعه وتقلل من فرص تفاعله مع الآخرين.
٣. الاضطرابات النفسية:
ليس المقصود بالاضطرابات النفسية تلك الأعراض المرضية من نقص عقلي، واضطرابات عقلية، أوعصابية، أو اضطرابات نفسجسمية، ولكن المقصود تلك الحالة النفسية التي تتضمن عدم شعور المعاق بالطمأنينة والارتياح والرضا وعدم قدرته على التكيف مع نفسه ورضاه عنها وعدم تكيفه مع الآخرين، وعدم قدرته على تكوين علاقات إيجابية مع من حوله، وعدم مواجهة الأزمات والشدائد والصعوبات، وما يترتب عليها من عدم الاتزان والثبات العاطفي وما يتبعه من انطواء وعزلة، وشعور بالاكتئاب بالإضافة إلى شعوره بعدم راحة البال، وعدم الشعور بالأمن والطمأنينة، وما يصاحب ذلك من توتر، وصراع، وألم.
٤. فقدان الشعور بالأمن:
يقصد به تلك الحالة النفسية التي يشعر فيها بأنه خائف دائمًا، وغير آمن على نفسه، أو على أسرته، ويخيفه المجهول ويرعبه، ويشعر بأنه مهدد في حياته، مهدد في كل شيء يحيط به، أو يتعامل معه، ويخاف من كلام الناس ونقدهم وملاحظاتهم والتعامل معهم، وما يصاحبه من مشاعر النقص يدفعه إلى الخوف من الناس والنفور منهم وانطوائه، وانزوائه بعيدًا عنهم، حتى لا يمسون ذاته، أو يجرحون كرامته بسخريتهم، أو شفقتهم، أو نقدهم له؛ لأنه عاجز عن منافستهم أو التعايش معهم بعد أن أفقدته العاهة ثقته بنفسه، وشعور المعوق بالنقص وفقدان الثقة بالنفس يزيدان من مخاوفه وعدم شعوره بالأمن.
٥. سيادة السلوك الدفاعي:
هو ما يسمى بـ ميكانزمات الدفاع (Mechanisms Defence) وهي حيل دفاعية وأساليب تهدف إلى الدفاع عن الشخصية ضد أي تهديد داخل الفرد وخارجه.
والحيل الدفاعية عبارة عن عمليات نفسية هدفها خفض التوتر والقلق، وهي تعمل بطريقة لا شعورية، لإنكار الواقع أو تزييفه، واستخدامها أمر سوي وعادي إذا استخدم بصورة سليمة أما إذا استخدمت بشكل مسرف، فإنها يمكن أن تؤثر في النمو النفسي لأنها تمنع الفرد من التعامل مع العالم الواقعي بطريقة واقعية، والمعوق قد تدفعه الإعاقة إلى اللجوء للحيل الدفاعية بعضها أو واحدة منها دون أن يشعر، وذلك عند إخفاقه وفشله في الوصول إلى التوافق بينه وبين نفسه أو بين بيئته الاجتماعية، ويترتب على هذا الفشل والإخفاق الصراع والقلق، الذي يحتاج المعوق إلى تخفيضه بطرق شتى من الحيل الدفاعية،
فقد يستخدم المعوق حيل خداعية، مثل:
- الكبت
- التبرير
- الإسقاط
- التكوين العكسي
أو حيل هروبية، مثل:
- أحلام اليقظة
- النكوص والارتداد لمراحل النمو الطفولية
أو حيل استبدالية، مثل:
- التعويض
- التحويل
٦. مشكلة الاضطرابات النفسجسمية:
يعاني منها بعض المعوقين وخاصة الذين يعانون من بعض الصراعات النفسية، أو يعرضون أنفسهم للانفعالات الشديدة.
وهي مجموعة من الاضطرابات التي تلعب فيها الأسباب النفسية دورًا بارزًا، وليس لها سبب عضوي واضح وتحدث يوميًا وبشكل ملاحظ، مثل:
- الشعور بالصداع والدوخة.
- الشكوى من أوجاع جسمية متعددة، على الرغم من عدم وجود سبب عضوي لهذه الأعراض، إلا أنها تسبب لصاحبها آلامًا حقيقية بسبب أصلها النفسجسمي، وهذه الاضطرابات هي وسائل هروبية توفر لصاحبها الحصول على الاهتمام أو تستخدم للتعبير عن عدم الرضا، وهي تؤدي بدورها إلى انخفاض حدة الشعور بالقلق التي يعيشها المعوق.
- قد تصل إلى إصابة المعوق بأمراض جسمية حقيقية ولكنها ذات أصول نفسية، مثل: قرحة المعدة، وقرحة الاثنى عشر، وضغط الدم العالي والإمساك المزمن، وغيرها من الأمراض.
لذلك لابد من التنفيس عن الانفعالات وتصريفها، والتعبير عن المشاعر السلبية وتخفيفها حتى لا تكون سببًا لمثل هذه الاضطرابات.