اصفعني وخذ دينارًا..
ذات صباح وأنا احتسي كوب القهوة كعادتي مع زميلتي بالعمل , لاحظت شحوب وجهها وأنها تشرد بفكرها كثيرًا , فبادرتها بالسؤال عن السبب وهل هي تمر بمشكلة ما ,
فحدثتني عن قلقها على ابنتها الوحيدة وأنها تعاني من تأتأة في الحديث أثر سلباً على نفسيتها وصحتها وجعلها تترك الدراسة , فطلبت مقابلتها والحديث معها .
رتبنا بعدها لقاءَا مطولا مع أميرتها الجميلة , ودار حديث شيق معها
بدأت بقول :
كنت طفلة صغيرة عندما عرض على التلفاز مسلسل بعنوان الندم , كان يتكلم عن شخص أخطأ في شبابه , وكان خطأه سبب لمروره بالكثير من المصاعب في حياته ,
وإحساساً منه بالندم كان يطلب من كل شخص يلتقي به أن يصفعه ويأخذ دينارًا.
فكنت ببراءة الطفولة اتعجب , كيف لشخص أن يطلب مثل هذا الطلب !
وعندما كبرت أدركت أن لكل منا خطأه الجسيم الذي يستحق أن نقول لكل من نقابله (اصفعني وخذ دينارًا ) .
كم من خطأ اقترفناه في حق أنفسنا ؟ كم من فرصة أضعناها بسوء تصرفنا و إدراكنا للأمور؟
قالت لي بصوت خافت : ماذا تقصدين من كلامك ؟
فأجبتها أقصد ما تمرين به الآن , اهمالك لنفسك والإصغاء وراء كلام الناس , أما كان أحرى أن تبحثي عن العلاج بدلاً من البحث عن الوهم ؟
وعن ماذا قال الناس عني ؟ ألا تعلمين أن لكل داء دواء ؟ ألا تؤمنين بقوله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) , لماذا تجعلين للشيطان سبيلاً إليك ؟
لماذا تخضعين لكلام الناس ؟ ولمن لا يملك لك ضرًا ولا نفعا ؟
كوني قوية و واجهي المشكلة فأول طريق لحلها هو الاعتراف بوجودها , والرغبة الشديدة لتجاوزها , فعلاج التأتأة ليس معجزة فكثير تشافى منه بالتوكل على الله والأخذ بالأسباب .
واحذري أن يطوقك الحزن فتقنطي , وكأن الله ما أخرج عنك هماَ قط , وابدأي من الآن ولاتقولي سوف افعل , فالتسويف يرمي بك إلى القاع , وتذكري أن سورة يوسف علمتنا ( أن الجبر الإلهي لايأتي عاديًا أبدًا ).
وعليك بثلاث الدعاء والثقه بالنفس , وعدم الخجل .
ولاتنسي أن نبينا موسى عليه السلام كان عنده صعوبة بالكلام , وأن العناء دائما بالبدايات , وكمال الإنسان اعترافه بنقصه .
لكل منا يومه الأول , ويومك الأول قد ابتدأ , فتوكلي على الله واكثري من قول (ربي اشرح لي صدري , ويسر لي امري , واحلل عقدةً من لساني , يفقهوا قولي ).
واكثري من قراءة القرآن فهو يساعد على طلاقة اللسان وفصاحته بإذن الله , ولا تجعلي التأتأة عائق في طريق نجاحك , كوني صاحبة تجربة ملهمة , ودعي الحياة تشرق بداخلك .
فنظرتك لنفسك هي الداعم الأول لنجاحك أو فشلك , وتذكري دائمًا الأشياء الجميلة تأخذ وقت , وعلى قدر صبرك يأتي جبرك , فالتحدي ليس في الأحداث, بل في كيفية تعاملنا معها ,
قاتلي من أجل أهدافك واجعلي أول خطوة للعلاج مراجعة أخصائي تخاطب , ولا تحاولي تجنب أي موقف كلامي من أجل التهرب من الإحراج ولا تستعجلي بالنتائج , وحاولي الالتحاق بنادي يقدم ورش عمل لمن لديهم نفس مشكلتك.
ودعتها بعد ذلك على أمل رؤيتها مرة أخرى بأفضل حال , مر شهران على هذا اللقاء وهاهي والدتها تقدم لي الامتنان بعدما رأت تحسنا كبيرًا وملحوظاً على ابنتها , وعادت إلى مقاعد الدراسة بروح مفعمة ونشيطة .
وأخيرًا :
نصيحة لكل من عصفت به الحياة , عندما تتغير الحياة لتصبح أصعب غير نفسك لتكون أقوى .